السامية الساقطة
احمد دخيسي
” في كل مكان يكون فيه حضور الغير خطرا على
شعب إسرائيل، فمسموح قتله حتى لو كان من
محبي أمم العالم وليس مذنبا على الإطلاق في
الوضع الناشئ …
يجب قتل كل من يشكل خطرا على شعب إسرائيل
سواء كان ولدا أم طفلا …إنهم (الأطفال والرضع)
سدادو الطريق، فالرضع يسدون طريق النجاح
بوجودهم، وعليه مسموح قتلهم لأن وجودهم يساعد
القتل…
من أجل الانتصار على الأشرار(كل من ليس يهوديا)
يجب التصرف معهم بطريق الثأر والصاع بالصاع.
فالثأر هو حاجة ضرورية لجعل الشر غير مجد،
وعليه تنفذ أحيانا أفعال وحشية ترمي إلى خلق ميزان
رعب سليم…”
الحاخام يتسحاق شابيرا
لم يشهد التاريخ البشري ظاهرة مضللة كالظاهرة الصهيونية، ولم تعرف البشرية عقيدة تعشق القتل والدم حتى النخاع كالعقيدة الصهيونية. ليس هناك أشرف من معاداة “السامية” الساقطة التي منذ أن كانت لم تتوقف عن القتل دقيقة واحدة. كان اليهود “شعبا” منبوذا في أوربا قبل تأسيس الكيان الصهيوني السرطاني في فلسطين، وكان الغرب يرى اليهود وقتئذ مجرد فائض بشري jewish surplus يجب تصديره والتخلص منه. هذا الطموح الاستعماري الغربي للتخلص من اليهود تزامن مع ضعف الإمبراطورية العثمانية التي كانت على وشك الانهيار، كما تزامن مع طموح السامية الساقطة لبناء وطن قومي لليهود المنبوذين.
من جهتها عملت الدول الاستعمارية آنذاك، بريطانيا خصوصا، جاهدة لتنفيذ المخطط الصهيوني ليس إشفاقا على اليهود المشتت أمرهم بل لتوظيفهم لخدمة المصالح الاستعمارية الغربية، خاصة أن المكان الذي وقع عليه الاختيار هو فلسطين (أرض كنعان): قلب الأمة الإسلامية، فيها أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، ملتقى الشرق والغرب، تربط آسيا بأفريقيا وقريبة من أوربا. “وبذلك تم تحويل جماعة وظيفية (اليهود) كانت تعمل بالتجارة والربا وأصبحت دون وظيفة في الحضارة الغربية إلى جماعة وظيفية تعمل بالاستيطان والقتال في خدمة الحضارة الغربية خارج حدودها.”(1)
هذه الأطروحة الاستعمارية روجت كثيرا لأسطورة “الهولوكوست” التي تعرض لها اليهود بألمانيا النازية وتم تصوير اليهود على أنهم شعب مقهور ومظلوم يستحق أن تكون له دولة قومية. أكثر من ذلك، تم سن أغرب قانون على وجه الأرض يجرم كل من يشكك في الهولوكوست ويتهم بمعاداة “السامية”. فلو قبلنا على مضض أن تلك المحرقة ارتكبتها النازية في حق اليهود، فلماذا يدفع الفلسطينيون ثمن الجريمة الأوروبية؟ ثم أين هي النازية، رغم بشاعتها، من الجرائم الصهيونية الحالية؟
إذا كانت “السامية” تعني، كما قال الحاخام شابيرا، قتل الأطفال والرضع وكل من ليس يهوديا فمن الواجب شرعا وعقلا و قانونا معاداة هذه “السامية” الساقطة. ما هي إلا شوفينية متطرفة حتى النخاع تجعل من اليهود أسياد العالم لأنهم “شعب الله المختار”. نعم شعب الله المختار ليقتل الإنسان ويدمر الحياة. فهم وحدهم الإنسان أم باقي الشعوب فليسوا إلا أميين في مرتبة الحيوانات مستحلة دماؤهم وأعراضهم. بالتالي فكل جرائمهم البشعة في حق البشر والشجر والمرأة والرضيع، وهم قتلة الأنبياء، ونقضهم كل العهود وتجاوزهم كل الأعراف الإنسانية، كل ذلك له سند عقائدي قوي في تلمودهم و”ساميتهم” الساقطة. يقول أحدهم (اسمه سلخان أروش)، فما أجمل أن تسمع الصفاقة من أهلها، يقول: “إنه عمل صالح أن يستولي اليهودي على ممتلكات أمي.” طبعا الأمي عندهم ليس هو الذي لا يعرف القراءة والكتابة كما هو متعارف عليه إنسانيا، الأمي عندهم هو كل من ليس يهوديا. يضيف آخر (لب طوب) إلى هذه الصفاقة: “بيوت الأميين بيوت حيوانات.” أما لوكوهوت هابرت فيكمل شرح فصول هذه الصفاقة قائلا: “رغم أن شعوب الأرض تشبه اليهود في المظهر، فهي في الحقيقة لليهود كالقردة بالنسبة للانسان.”
قبل هذا وبعده، ألا نقرأ كل هذه الحقائق بجلاء في القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. ليس من العبث أن يخصص لهم القرآن مساحة واسعة ليعرف من يقرأ كلام الله تعالى حقيقتهم وحقيقة “ساميتهم” الساقطة.
1- الإفساد في الأرض: ” وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا(4) “. الإسراء
2- نقض العهود: ” أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ(100) ” البقرة.
3- القتل: ” ويَقْتُلُونَ الَذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ(21) ” آل عمران.
4- المكر والخديعة: ” وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُمْ بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(76) “. البقرة
5- العداء الشديد: “لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا..” (82) المائدة.
يطول بنا المقام إن نحن نريد الإحاطة بكل صفاتهم المذمومة. حتى الغرب الذي كان قد دعمهم على علم بذلك، لذلك صدرهم اتقاء لشرهم. شهادات غربية كثيرة سجلها التاريخ حول حقيقة اليهود الذين عاشوا قرونا طويلة محافظين على هويتهم الزيتية لأن طباعهم لا تسمح لهم بمخالطة شعوب الأرض. نقرأ شهادة زعيم الحركة البروتستانية مارتن لوثر: “اليهود كذابون كلاب حرفوا الكتب من أولها إلى آخرها بتأويلاتهم المتتابعة…لم تطلع الشمس قط على شعب دموي انتقامي مثلهم، إذ يزعمون أنهم شعب الله المختار.. وأول ما ينتظرونه من مسيحهم أن يقتل بسيفه العالم كله ويفنيه… ليس تحت الشمس شعب أكثر جشعا، وما كان ولن يكون، كما يمكن أن يرى ذلك من رباهم الملعون. إنهم يحلمون بيوم ظهور مسيحهم ليجمع فضة العالم وذهبه ويوزعهما عليهم… أنتم معاشر اليهود كنتم منذ أكثر من خمسة عشر قرنا عنصرا لعنه الله … ليس لكم من مزية تفتخرون بها إلا خطاياكم.” نقرأ شهادة أخرى مهمة للفرنسي نابليون عن اليهود، يقول:” لا يمكن أن تحسن طباع اليهود بالحوار. يجب أن تضع لهم قوانين خاصة بهم. مند عهد موسى [عليه السلام] أصبح اليهود إما ظلمة معتدين وإما مرابين. كل عبقرية اليهود تتلخص في أعمال النهب… إن لهم عقيدة تبارك سرقاتهم و جرائمهم … إن اليهود جراد أو حشرات تأكل فرنسا.”
كان دعم الغرب لليهود إذن تصديرا لهم أو هو تعاقد مصلحي التزمت بموجبه الدول الاستعمارية بتأمين دولة قومية لليهود ورعايتها بالمال والسلاح مقابل ضمان تلك “الدولة” المصالح الغربية. تعاقد براجماتي لأن الحضارة الغربية مادية فاقدة للإحساس وأعجز من أن تحس أو يرق قلبها لمأساة اليهود وحاجتهم الماسة لوطن قومي يجسدون عليه أحلام “شعب الله المختار”. أسس الكيان الصهيوني وأصبح “كلب حراسة رأسه في واشنطن وذيله في القدس.” منذ ذلك اليوم والكيان السرطاني لم يتوقف يوما عن إشعال الحروب وارتكاب الجرائم تماما كما فعل “العالم الحر” الذي أتى بهم من إبادة السكان الأصليين في أمريكا، أستراليا، نيوزيلاندا، رواندا… فضلا عن جرائم الاستعمار والعبودية.
أعود لكلام الحاخام شابيرا حول ضرورة قتل الأطفال الرضع لأنهم خطر على “دولة إسرائيل”، هذا ما يفعلونه وقد فعلوه في عدوانهم الأخير على غزة. الحمد لله أن أرحامهم عقمت وأصبح مستوى الخصوبة عندهم من أدنى المستويات في العالم. ومن طرائف الصهيونية أن إنجاب الأولاد في كيانهم أصبح “واجبا وطنيا” و”مطلبا قوميا” لأنهم يشعرون أن كيانهم المتهالك يعيش أيامه الأخيرة بسبب أرحامهم العقيمة. ويا لحسدهم على المرأة الفلسطينية التي يصفونها بالقنبلة البيولوجية لأنها تنجب أطفالا كثرا يهددون حلم اليهود بإطالة عمر كيانهم المزروع على أنقاض أجداد أولئك الأطفال الأعداء. بالتالي أصبحت المأساة التي يعيشها الكيان الصهيوني أكبر بكثير من حجمه على الخريطة وأصبح يفكر جديا من نقل المعركة من ساحات القتال إلى غرف النوم.
ختاما، يجب التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية كقضية أولى للأمة الإسلامية وإنه من التضليل اختصار ما يجري هناك في مهد الرسالات في مجرد صراع “عربي إسرائيلي” أو تقزيمه أكثر إلى صراع “فلسطيني إسرائيلي”. القضية قضية أمة من إندونيسيا إلى المغرب. لذلك فالاهتمام بهذا الموضوع ليس من قبيل التأتيت الفكري والترف الأكاديمي بل هي قضية شرعية وفرض عين. هذا زمن الغثاء كما أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمم التي ستتداعى علينا رغم كثرتنا. صحيح أن الأمة تمر بمحن كثيرة لكن تبقى القضية الفلسطينية هي عنوان ضعف الأمة الأبرز. المرارة تزداد عندما نعرف أن مداخل هذا الوهن ليست خارجية فقط، أعني أن الغطرسة الأمريكية والصهيونية ركبتا على ظهر بعض أبناء الوطن عندما وجدت ذلك الظهر منحنيا. استسلمت “منظمة التحرير الفلسطينية” للمفاوضات العبثية تحت ذريعة واهية “سلام الشجعان” فكانت النتيجة القتل والإستيطان والتهويد والحصار والتجويع… الأنكى من ذلك أن الطاولة التي وقعت عليها منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاقية مدريد عام 1991 هي نفس الطاولة التي وقعت عليها اتفاقية اندحار المسلمين من الأندلس منذ أمد بعيد. فلو جمعنا كل الأوراق التي تكتب فيها مجريات المفاوضات والقمم لأحرقنا بها الكيان الصهيوني منذ أمد بعيد.
لله الأمر من قبل ومن بعد.
احمد دخيسي
————————————
(1) د عبد الوهاب المسيري، مجلة الفرقان عدد 48، 2002/1423، ص86)