سي عبد السلام ياسين.. كلمة في حق الرجل


       إن المتأمل لمسار حياة الأستاذ عبد السلام ياسين لا يسعه إلا الانبهار أمام قامة قلما جاد بها الزمن في فترتنا المعاصرة هذه. إنه بالفعل وعلى اختلاف مرجعيات ومشارب المتأملين العقدية والفكرية والإيديولوجية في سيرته قد خاطب في كتاباته ومؤلفاته الأثيرة التي تربو عن الأربعين مؤلفا ناهيك عن شرائطه ومحاضراته كل هؤلاء الأشخاص. و لم يلاحظ عليه أو ينقل عنه في كتاباته أو خطاباته أنه عادى هذا أو ناكف ذاك على اختلاف وتعدد تصورات ورؤى ومبادئ الآخر. بل أكثر من ذلك نعت من يخالفونه في المرجعية العقدية أو الفكرية وحتى السياسية بالفضلاء الديمقراطيين تارة وبذوي المروءات تارة أخرى. كيف به وهو الأستاذ المربي والداعية الحليم بمخاطبيه أن يرد على بعض الأقلام التي لا تتورع عن الإساءة إليه ناسين أو متناسين تعمدا أو تجاهلا آداب الحوار والخطاب.

       لقد جمع الرجل بحق بين الدعوة والتربية والفكر والنضال السياسي. وحق للأمة الإسلامية أن تنعاه بعد ما رزئت فيه وفي فكره التنويري الذي طالما عانى من الحصار الإعلامي الجائر ومسلسل التضييق الممنهج والبغيض لما يزيد عن ثلاثين سنة ونيف. فبالرغم من كل ذلك صار لفكر الرجل صيت ذائع بحمد الله في كل قارات المعمورة. و لعل المؤتمر الأخير بتركيا الذي خصص لتدارس فكر الرجل من خلال مؤلفه “المنهاج النبوي” ومشاركة خيرة علماء العالم الإسلامي غيض من فيض وبداية لعهد جديد يفتح الباب على مصراعيه للحقول المعرفية والفكرية لاحتضان فكر يجدد للأمة الإسلامية وعيها وللعالم إنسانيته.

      أجد نفسي بحق جد ضئيل للحديث عن هكذا رجل, رجل قاوم دهاقنة الإدارة الكولونيالية في البدء ليفرض نفسه ضمن نادي الكبار. و بعد الفترة الاستعمارية ينتزع بفضل علو كعبه العلمي والمهني المناصب العليا في المجال البيداغوجي والتعليمي والتي لم تثنه عن محاربة الاستبداد وقول كلمة الحق, فجاءت رسالته القوية ” الاسلام أو الطوفان” موجهة للملك الراحل الحسن الثاني رحمه الله ناصحا وصادحا بالحق, لتتوالى مسلسلات الاعتقال والسجن والتضييق. تحدث في كتاباته عن العلمانية والحداثة والاشتراكية والأمازيغية والممارسة السياسية … أفرد كتبا في الدعوة ودولة القرآن, سبر أغوار التربية الإيمانية وأسرارها ومناهجها. إن مسارا كهذا بكل دقائقه ومميزاته يشعرني بضآلة قدري وأنا أتحدث عن قدر الرجل, ولكن وجب أن أقول فيه شهادة حق.

      فنسأل البارئ عز وجل أن يتقبل صالح أعماله وأن يلحقه بالأنبياء والصديقين والصالحين والشهداء وحسن أولئك رفيقا ويلحقنا به غير مبدلين ولا مفتونين.

إنا لله وإنا إليه راجعون

بقلم : إبراهيم بلوح

          تيفلت المدينة

Post a comment or leave a trackback: Trackback URL.

أضف تعليق